❞ كتاب اتجاهات السياسة الشرعية في عقوبة القتل تعزيزا ❝

❞ كتاب اتجاهات السياسة الشرعية في عقوبة القتل تعزيزا ❝

نبذة عن الكتاب :

معنى التعزير

[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحكم بالقتل تعزيرا؟]ـ

[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقوبات في الشريعة الإسلامية ثلاثة أنواع:
1- القصاص: في جرائم القتل والتعدي على الأطراف والجنايات.
2- الحدود: وهي العقوبات المقدرة شرعا: كحد الزنى، وحد السرقة، ونحوهما.
3- التعزير: وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود.
" الأحكام السلطانية " للماوردي (ص/236) .
فإذا ارتكب أحدهم مخالفة شرعية لم يرد الشرع بتقدير عقوبة خاصة بها، ورأى القاضي أنها من الخطورة بقدر بحيث تستحق العقوبة عليها، فإن له أن يعاقب هذا المتعدي بما يراه مناسبا لجرمه وذنبه، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ " التعزير "، وله أحكام وتفصيلات كثيرة مذكورة في مطولات الفقه.
ولما كان مقصد التعزير هو التأديب، كان الأصل ألا يبلغ التعزير إلى حد القتل بحال من الأحوال، لكن لما رأى الفقهاء أن بعض الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة تدل على إيقاع عقوبة القتل على هذا الوجه، كانت لهم بعض الاستثناءات التي تجيز القتل كعقوبة تعزيرية وليست حدية، وذلك لخطر بعض الجرائم العظيمة، ولتحقيق المصلحة العامة للدولة والمجتمع الإسلامي.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (12/263) :
" الأصل: أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) الأنعام/151، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة، من ذلك:
1- قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين:
وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك، وبعض أصحاب أحمد، ومنعه أبو حنيفة، والشافعي، وأبو يعلى من الحنابلة، وتوقف فيه أحمد.
ومن ذلك:
2- قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية:
ذهب إلى ذلك كثير من أصحاب مالك، وطائفة من أصحاب أحمد.
3- وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم، إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرر منه اللواط أو القتل بالمثقل.
4- وقال ابن تيمية: وقد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل، بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) " انتهى.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
" يظهر من مباحث القتل تعزيرا على سبيل الإجمال والتفصيل: أن القتل تعزيرا مشروع عند عامة الفقهاء، على التوسع عند البعض، والتضييق عند آخرين في قضايا معينة.
وأن القول الصحيح الذي يتمشى مع مقاصد الشرع وحماية مصالح الأمة وحفظ الضروريات من أمر دينها ودنياها: هو القول بجواز القتل تعزيرا حسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، إذا لم يندفع الفساد إلا به، على ما اختاره ابن القيم رحمه الله تعالى." انتهى.
" الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " (ص/493)
وقال الشيخ عبد القادر عودة رحمه الله:
" الأصل في الشريعة أن التعزير للتأديب، وأنه يجوز من التعزير ما أمنت عاقبته غالباً، فينبغي أن لا تكون عقوبة التعزير مهلكة، ومن ثم فلا يجوز في التعزير قتل ولا قطع.
لكن الكثيرين من الفقهاء أجازوا ـ استثناءً من هذه القاعدة العامة ـ أن يعاقب بالقتل تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة تقرير عقوبة القتل، أو كان فساد المجرم لا يزول إلا بقتله، كقتل الجاسوس والداعية إلى البدعة ومعتاد الجرائم الخطيرة.
وإذا كان القتل تعزيراً قد جاء استثناء من القاعدة، فإنه لا يتوسع فيه، ولا يترك أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية، بل يجب أن يعين ولي الأمر الجرائم التي يجوز فيها الحكم بالقتل. وقد اجتهد الفقهاء في تعيين هذه الجرائم وتحديدها، ولم يبيحوا القتل إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، بأن كان المجرم قد تكررت جرائمه ويُئِس من إصلاحه، أو كان استئصال المجرم ضرورياً لدفع فساده وحماية الجماعة منه.
ويبيح الحنفيون عامة القتل تعزيراً ويسمونه القتل سياسة، ويرى بعض الحنابلة هذا الرأي وعلى الأخص ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ويأخذ بهذا الرأي قليل من المالكية، ولكن أكثر الجرائم التي يبيح فيها الحنفية القتل تعزيراً، أو سياسةً، يعاقب عليها حداً أو قصاصاً في المذاهب الأخرى، فما يظن توسعاً في مذهب الحنفية من هذه الوجهة، هو توسع ظاهري في أكثر الحالات. فمثلاً يبيح الحنفية القتل تعزيراً في جريمة القتل بالمثقل، وفي جريمة اللواط، ولا يرون القتل قصاصاً في الحالة الأولى، أو حداً في الحالة الثانية، بينما يرى مالك والشافعي وأحمد قتل القاتل بالمثقل قصاصاً، وقتل اللائط والملوط به حداً، ويرى بعض الحنابلة والمالكية قتل الداعية إلى البدعة تعزيراً، بينما يراه غيرهم مرتداً بدعوته للبدعة فيقتل حداً.
والقتل تعزيراً بالشروط السابقة لا يمكن أن يكون إلا في جرائم تعزيرية محدودة العدد، وقد رأينا فيما سبق أن الشريعة جعلت القتل عقوبة في أربع جرائم من جرائم الحدود، وهي: الزنا، والحرابة، والردة، والبغي.
وجعلته عقوبة في جريمة واحدة من القصاص، وهي القتل العمد.
فإذا قدرنا أن الجرائم التعزيرية التي يمكن العقاب عليها بالقتل تصل إلى خمس جرائم أيضاً، كانت كل الجرائم المعاقب عليها بالقتل في الشريعة لا تزيد على عشر جرائم عند من يجيزون القتل تعزيراً، وكان عددها لا يزيد على خمس جرائم عند من لا يبيحون القتل تعزيراً، وتلك ميزة انفردت بها الشريعة الإسلامية من يوم نزولها، فهي لا تسرف في عقوبة القتل ولا تفرضها دون مقتض.
ونستطيع أن نحيط بمدى تفوق الشريعة في هذه الوجهة إذا علمنا أن القوانين الوضعية كانت إلى أواخر القرن الثامن عشر تسرف في عقوبة القتل إلى حد بعيد، بحيث كان القانون الإنجليزي ـ مثلاً ـ يعاقب على مائتي جريمة بالإعدام، والقانون الفرنسي يعاقب على مائة وخمس عشرة جريمة بالإعدام. " انتهى.
" التشريع الجنائي في الإسلام " (1/687-689) .
والله أعلم.
-
من قوانين الشريعة الاسلامية كتب السياسة الشرعية - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
اتجاهات السياسة الشرعية في عقوبة القتل تعزيزا

1998م - 1445هـ
نبذة عن الكتاب :

معنى التعزير

[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحكم بالقتل تعزيرا؟]ـ

[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقوبات في الشريعة الإسلامية ثلاثة أنواع:
1- القصاص: في جرائم القتل والتعدي على الأطراف والجنايات.
2- الحدود: وهي العقوبات المقدرة شرعا: كحد الزنى، وحد السرقة، ونحوهما.
3- التعزير: وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود.
" الأحكام السلطانية " للماوردي (ص/236) .
فإذا ارتكب أحدهم مخالفة شرعية لم يرد الشرع بتقدير عقوبة خاصة بها، ورأى القاضي أنها من الخطورة بقدر بحيث تستحق العقوبة عليها، فإن له أن يعاقب هذا المتعدي بما يراه مناسبا لجرمه وذنبه، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ " التعزير "، وله أحكام وتفصيلات كثيرة مذكورة في مطولات الفقه.
ولما كان مقصد التعزير هو التأديب، كان الأصل ألا يبلغ التعزير إلى حد القتل بحال من الأحوال، لكن لما رأى الفقهاء أن بعض الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة تدل على إيقاع عقوبة القتل على هذا الوجه، كانت لهم بعض الاستثناءات التي تجيز القتل كعقوبة تعزيرية وليست حدية، وذلك لخطر بعض الجرائم العظيمة، ولتحقيق المصلحة العامة للدولة والمجتمع الإسلامي.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (12/263) :
" الأصل: أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) الأنعام/151، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة، من ذلك:
1- قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين:
وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك، وبعض أصحاب أحمد، ومنعه أبو حنيفة، والشافعي، وأبو يعلى من الحنابلة، وتوقف فيه أحمد.
ومن ذلك:
2- قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية:
ذهب إلى ذلك كثير من أصحاب مالك، وطائفة من أصحاب أحمد.
3- وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم، إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرر منه اللواط أو القتل بالمثقل.
4- وقال ابن تيمية: وقد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل، بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) " انتهى.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
" يظهر من مباحث القتل تعزيرا على سبيل الإجمال والتفصيل: أن القتل تعزيرا مشروع عند عامة الفقهاء، على التوسع عند البعض، والتضييق عند آخرين في قضايا معينة.
وأن القول الصحيح الذي يتمشى مع مقاصد الشرع وحماية مصالح الأمة وحفظ الضروريات من أمر دينها ودنياها: هو القول بجواز القتل تعزيرا حسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، إذا لم يندفع الفساد إلا به، على ما اختاره ابن القيم رحمه الله تعالى." انتهى.
" الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " (ص/493)
وقال الشيخ عبد القادر عودة رحمه الله:
" الأصل في الشريعة أن التعزير للتأديب، وأنه يجوز من التعزير ما أمنت عاقبته غالباً، فينبغي أن لا تكون عقوبة التعزير مهلكة، ومن ثم فلا يجوز في التعزير قتل ولا قطع.
لكن الكثيرين من الفقهاء أجازوا ـ استثناءً من هذه القاعدة العامة ـ أن يعاقب بالقتل تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة تقرير عقوبة القتل، أو كان فساد المجرم لا يزول إلا بقتله، كقتل الجاسوس والداعية إلى البدعة ومعتاد الجرائم الخطيرة.
وإذا كان القتل تعزيراً قد جاء استثناء من القاعدة، فإنه لا يتوسع فيه، ولا يترك أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية، بل يجب أن يعين ولي الأمر الجرائم التي يجوز فيها الحكم بالقتل. وقد اجتهد الفقهاء في تعيين هذه الجرائم وتحديدها، ولم يبيحوا القتل إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، بأن كان المجرم قد تكررت جرائمه ويُئِس من إصلاحه، أو كان استئصال المجرم ضرورياً لدفع فساده وحماية الجماعة منه.
ويبيح الحنفيون عامة القتل تعزيراً ويسمونه القتل سياسة، ويرى بعض الحنابلة هذا الرأي وعلى الأخص ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ويأخذ بهذا الرأي قليل من المالكية، ولكن أكثر الجرائم التي يبيح فيها الحنفية القتل تعزيراً، أو سياسةً، يعاقب عليها حداً أو قصاصاً في المذاهب الأخرى، فما يظن توسعاً في مذهب الحنفية من هذه الوجهة، هو توسع ظاهري في أكثر الحالات. فمثلاً يبيح الحنفية القتل تعزيراً في جريمة القتل بالمثقل، وفي جريمة اللواط، ولا يرون القتل قصاصاً في الحالة الأولى، أو حداً في الحالة الثانية، بينما يرى مالك والشافعي وأحمد قتل القاتل بالمثقل قصاصاً، وقتل اللائط والملوط به حداً، ويرى بعض الحنابلة والمالكية قتل الداعية إلى البدعة تعزيراً، بينما يراه غيرهم مرتداً بدعوته للبدعة فيقتل حداً.
والقتل تعزيراً بالشروط السابقة لا يمكن أن يكون إلا في جرائم تعزيرية محدودة العدد، وقد رأينا فيما سبق أن الشريعة جعلت القتل عقوبة في أربع جرائم من جرائم الحدود، وهي: الزنا، والحرابة، والردة، والبغي.
وجعلته عقوبة في جريمة واحدة من القصاص، وهي القتل العمد.
فإذا قدرنا أن الجرائم التعزيرية التي يمكن العقاب عليها بالقتل تصل إلى خمس جرائم أيضاً، كانت كل الجرائم المعاقب عليها بالقتل في الشريعة لا تزيد على عشر جرائم عند من يجيزون القتل تعزيراً، وكان عددها لا يزيد على خمس جرائم عند من لا يبيحون القتل تعزيراً، وتلك ميزة انفردت بها الشريعة الإسلامية من يوم نزولها، فهي لا تسرف في عقوبة القتل ولا تفرضها دون مقتض.
ونستطيع أن نحيط بمدى تفوق الشريعة في هذه الوجهة إذا علمنا أن القوانين الوضعية كانت إلى أواخر القرن الثامن عشر تسرف في عقوبة القتل إلى حد بعيد، بحيث كان القانون الإنجليزي ـ مثلاً ـ يعاقب على مائتي جريمة بالإعدام، والقانون الفرنسي يعاقب على مائة وخمس عشرة جريمة بالإعدام. " انتهى.
" التشريع الجنائي في الإسلام " (1/687-689) .
والله أعلم. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

القانون

 

اتجاهات السياسة الشرعية في عقوبة القتل تعزيزا 


المؤلف:محمد بن ناصر بن محمد النشمي
المحقق:
أو المشرف على الرسالة

عبد الرحمن بن زيد الزنيدي
دار النشر:جامعة نايف
تاريخ النشر:1418هـ -1998م
بلد النشر:السعودية
المدينة :الرياض

نبذة عن الكتاب :

معنى التعزير

[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحكم بالقتل تعزيرا؟]ـ

[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقوبات في الشريعة الإسلامية ثلاثة أنواع:
1- القصاص: في جرائم القتل والتعدي على الأطراف والجنايات.
2- الحدود: وهي العقوبات المقدرة شرعا: كحد الزنى، وحد السرقة، ونحوهما.
3- التعزير: وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود.
" الأحكام السلطانية " للماوردي (ص/236) .
فإذا ارتكب أحدهم مخالفة شرعية لم يرد الشرع بتقدير عقوبة خاصة بها، ورأى القاضي أنها من الخطورة بقدر بحيث تستحق العقوبة عليها، فإن له أن يعاقب هذا المتعدي بما يراه مناسبا لجرمه وذنبه، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ " التعزير "، وله أحكام وتفصيلات كثيرة مذكورة في مطولات الفقه.
ولما كان مقصد التعزير هو التأديب، كان الأصل ألا يبلغ التعزير إلى حد القتل بحال من الأحوال، لكن لما رأى الفقهاء أن بعض الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة تدل على إيقاع عقوبة القتل على هذا الوجه، كانت لهم بعض الاستثناءات التي تجيز القتل كعقوبة تعزيرية وليست حدية، وذلك لخطر بعض الجرائم العظيمة، ولتحقيق المصلحة العامة للدولة والمجتمع الإسلامي.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (12/263) :
" الأصل: أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) الأنعام/151، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة، من ذلك:
1- قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين:
وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك، وبعض أصحاب أحمد، ومنعه أبو حنيفة، والشافعي، وأبو يعلى من الحنابلة، وتوقف فيه أحمد.
ومن ذلك:
2- قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية:
ذهب إلى ذلك كثير من أصحاب مالك، وطائفة من أصحاب أحمد.
3- وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم، إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرر منه اللواط أو القتل بالمثقل.
4- وقال ابن تيمية: وقد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل، بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) " انتهى.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
" يظهر من مباحث القتل تعزيرا على سبيل الإجمال والتفصيل: أن القتل تعزيرا مشروع عند عامة الفقهاء، على التوسع عند البعض، والتضييق عند آخرين في قضايا معينة.
وأن القول الصحيح الذي يتمشى مع مقاصد الشرع وحماية مصالح الأمة وحفظ الضروريات من أمر دينها ودنياها: هو القول بجواز القتل تعزيرا حسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، إذا لم يندفع الفساد إلا به، على ما اختاره ابن القيم رحمه الله تعالى." انتهى.
" الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " (ص/493)
وقال الشيخ عبد القادر عودة رحمه الله:
" الأصل في الشريعة أن التعزير للتأديب، وأنه يجوز من التعزير ما أمنت عاقبته غالباً، فينبغي أن لا تكون عقوبة التعزير مهلكة، ومن ثم فلا يجوز في التعزير قتل ولا قطع.
لكن الكثيرين من الفقهاء أجازوا ـ استثناءً من هذه القاعدة العامة ـ أن يعاقب بالقتل تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة تقرير عقوبة القتل، أو كان فساد المجرم لا يزول إلا بقتله، كقتل الجاسوس والداعية إلى البدعة ومعتاد الجرائم الخطيرة.
وإذا كان القتل تعزيراً قد جاء استثناء من القاعدة، فإنه لا يتوسع فيه، ولا يترك أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية، بل يجب أن يعين ولي الأمر الجرائم التي يجوز فيها الحكم بالقتل. وقد اجتهد الفقهاء في تعيين هذه الجرائم وتحديدها، ولم يبيحوا القتل إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، بأن كان المجرم قد تكررت جرائمه ويُئِس من إصلاحه، أو كان استئصال المجرم ضرورياً لدفع فساده وحماية الجماعة منه.
ويبيح الحنفيون عامة القتل تعزيراً ويسمونه القتل سياسة، ويرى بعض الحنابلة هذا الرأي وعلى الأخص ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ويأخذ بهذا الرأي قليل من المالكية، ولكن أكثر الجرائم التي يبيح فيها الحنفية القتل تعزيراً، أو سياسةً، يعاقب عليها حداً أو قصاصاً في المذاهب الأخرى، فما يظن توسعاً في مذهب الحنفية من هذه الوجهة، هو توسع ظاهري في أكثر الحالات. فمثلاً يبيح الحنفية القتل تعزيراً في جريمة القتل بالمثقل، وفي جريمة اللواط، ولا يرون القتل قصاصاً في الحالة الأولى، أو حداً في الحالة الثانية، بينما يرى مالك والشافعي وأحمد قتل القاتل بالمثقل قصاصاً، وقتل اللائط والملوط به حداً، ويرى بعض الحنابلة والمالكية قتل الداعية إلى البدعة تعزيراً، بينما يراه غيرهم مرتداً بدعوته للبدعة فيقتل حداً.
والقتل تعزيراً بالشروط السابقة لا يمكن أن يكون إلا في جرائم تعزيرية محدودة العدد، وقد رأينا فيما سبق أن الشريعة جعلت القتل عقوبة في أربع جرائم من جرائم الحدود، وهي: الزنا، والحرابة، والردة، والبغي.
وجعلته عقوبة في جريمة واحدة من القصاص، وهي القتل العمد.
فإذا قدرنا أن الجرائم التعزيرية التي يمكن العقاب عليها بالقتل تصل إلى خمس جرائم أيضاً، كانت كل الجرائم المعاقب عليها بالقتل في الشريعة لا تزيد على عشر جرائم عند من يجيزون القتل تعزيراً، وكان عددها لا يزيد على خمس جرائم عند من لا يبيحون القتل تعزيراً، وتلك ميزة انفردت بها الشريعة الإسلامية من يوم نزولها، فهي لا تسرف في عقوبة القتل ولا تفرضها دون مقتض.
ونستطيع أن نحيط بمدى تفوق الشريعة في هذه الوجهة إذا علمنا أن القوانين الوضعية كانت إلى أواخر القرن الثامن عشر تسرف في عقوبة القتل إلى حد بعيد، بحيث كان القانون الإنجليزي ـ مثلاً ـ يعاقب على مائتي جريمة بالإعدام، والقانون الفرنسي يعاقب على مائة وخمس عشرة جريمة بالإعدام. " انتهى.
" التشريع الجنائي في الإسلام " (1/687-689) .
والله أعلم.

 اتجاهات السياسة الشرعية في عقوبة القتل تعزيرا
التعزير في الشريعة الإسلامية pdf

سلطة القاضي في تقدير العقوبة التعزيرية



سنة النشر : 1998م / 1419هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 9.6 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة اتجاهات السياسة الشرعية في عقوبة القتل تعزيزا

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل اتجاهات السياسة الشرعية في عقوبة القتل تعزيزا
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'