كتاب العقل والدين: سؤال العلاقةالمكتبة التجريبية

كتاب العقل والدين: سؤال العلاقة

من دلالات مادة “عقل” في اللغة كما في لسان العرب: الجامع لأمره، مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه، وقيل “العاقل” الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أُخذ من قولهم قد اعتقل لسانه إذا حُبس ومنع الكلام. والمعقول: ما تعقله بقلبك. والعقل: التثبت في الأمور. والعقل: القلب، والقلب العقل. وسُمي العقل عقلا؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، وبهذا يتميز الإنسان من سائر الحيوان، ويقال: لفلان قلب عقول، ولسان سئول، وقلب عقول: فهم. وعقل الشيء يعقله عقلا أي فهمه. ويمكن القول إن لمقصود بالعقل في التصور الإسلامي أمران: أ- الأداة الغريزية في الإنسان التي يدرك بها الأشياء على ما هي عليه من حقائق المعنى، ويسميها بعضهم “العقل الغريزي” فهو الطاقة الإدراكية في الإنسان. ب- ما توفره هذه الأداة الغريزية وتلك الطاقة الإدراكية من حصيلة معرفية وخبرة وفكرة ويسميها بعضهم العقل المكتسب فهو نتيجة للعقل الغريزي، وهو ينمو أن استعمل وينقص أن أهمل، وهو ما ذهب إليه الماوردي في الفكر الإسلامي، ويشبه مذهب كانط في الفلسفة الألمانية والذي يتحدث عن العقل المحض (الفطري)، والعقل التجريبي (العملي). وينصرف معنى العقل أيضاً إلى “العقل الجمعى” لا عقل الإنسان الفرد فقط، فيكون معناه مجموع الطاقات الإدراكية للأمة والتي يدور حولها فكر الأمة وعلومها وخبرتها، حيث يعتد الإسلام بالقيمة الذاتية للفكر الإنساني باعتباره ناتج عقول الأمة وأهل النهى وأولي الألباب فيها. والتي ترسم مسار الفقه وحركته في التاريخ بين تواصل مع الأصول واجتهاد السابقين من ناحية، وتجديد واجتهاد من ناحية أخرى بما يحقق التراكم الفكري، ويستهدف تطوير حكمة الرؤية المقاصدية والفقهية بل والثقافية الحضارية التي تميز الأمة. بين حفظ الدين وحفظ العقل في التصور الإسلامي ارتباط وثيق، لما لهما من أهمية عظمى في حياة الأمة وكيانها العقيدي والفكري والسياسي. وإذا كانت الفلسفة الغربية قد وضعت الفكر الوجودي الذي يبحث في جوهر الإنسان وغاياته وتحققه في هذا الوجود كمنهج عقلي “تحرري” في مواجهة الدين فإن رؤية التوحيد الإسلامية والتي ينبثق عنها مفهوم الاستخلاف تربط بين التوحيد والوجود، وبين العقل والتقل، وبين الإنسان والكون في علاقة مركبة لا تناقض فيها ولا تعارض مع خالقه، بل تتكامل المفاهيم وتتضافر من أجل “تحرير” الإنسان من عبودية الطبيعة أو ألوهية الهوى والمنفعة المادية الضيقة التصارعية بسبيل أفق رحب يجعل الإنسان سيد في الكون وخليفة لرب هذا الكون، ويجعل العلاقات بين البشر أصلها التعارف، والتدافع الخلاق، هذا الرب الذي يبين النص القرآني أنه علم آدم الأسماء كلها وعلَّمه ما لم يكن يعلم، في مقابل تصورات الإله في التراث الغربي القديم التي يصارع الرب فيها الإنسان، ويحتكر المعرفة، ويسعى لمنع الإنسان من الحصول على شعلتها المقدسة، أو تصورات الرب في العهد القديم التي يخشى الرب فيها من اتحاد البشر وقوتهم فينزل ليبلبل عليهم ألسنتهم (من هنا اسم مدينة بابل في رأي بعض المؤرخين)، أو تحتكر المؤسسة الدينية أسراراً، مثل سر العقيدة، أو سر طقوس العبادة، أو سر عقد الزواج -بوكالة عن الله- فلا تتاح تلك الأسرار للإنسان المؤمن بل يستأثر بتلك المعرفة سلك رجال الدين كوسيط بين الله والبشر. وما بين الدين والعقل علاقة ارتباط وثيقة العرى وهي علاقة وظيفية متبادلة تتعلق بدور العقل في فهم وتطبيق الوحي، ودور الوحي في توسيع مدارك ومدارات العقل ومصادر معرفته، وإساءة فهم هذه العلاقة أو القصور في فهم أبعاد ودور كل منهما ونطاقه يولّد انحرافا في التفكير والاعتقاد والسلوك. فلو تخيلنا دائرة مركزها الإنسان، ونهايتها ملكوت السماوات والغيب، فإننا نجد ثلاث دوائر لوسائل العلم والمعرفة (بعد دائرة الوجدانيات والحدس) الأولى: دائرة الحواس، وهذه تختص بإدراك الأعراض الحسية في عالم المشاهدة والمادة. الثانية: دائرة العقل التي تبدأ من حيث تنتهي دائرة الحواس، حيث يقوم العقل بعملية الربط بين الجزئيات بعد تلمس العلل والأسباب، ويأخذ من تلك الجزئيات كليات مجردة عن المادة، وبهذا تكون الدائرة الأولى مقدمة للدائرة الثانية. الثالثة: دائرة الوحي وهي المحيط الذي لا شاطئ له ولا يعلم مداه إلا الله، ولا يستطيع العقل أن يجاريه في الغيب المجهول، ولكن يكون مسترشداً به ومتبعا لهدايته وإشاراته في إدراك الحقائق الغيبية؛ لأن العقل محدود، وله مدى لا يتعداه، وبالتوازي مع ذلك فإن العقل من جهة أخرى وسيلة إدراك خطاب الوحي، وأساس الإلزام بتكاليف الشريعة وأحكامها ولذلك فإن عدم العقل يسقط التكليف والمخاطبة بالوحي، كما أننا نجد كثيراً من جزئيات الوحي يقوم العقل بربطها بكليات عامة عن طريق الإلحاق والقياس. ولكن الوحي حاكم، والعقل محكوم في مجال التشريع واعتبار المصالح؛ لأن العقل لا يستقل وحده بإدراك أحكام أو تقدير المصالح والمفاسد أو معرفة الحسن والقبيح دون هدي من وحي أو إرشاد من سنة النبي، أو اجتهاد ينبني على فقه عميق بهما. يقول الإمام الشاطبي: “إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكـون متبوعـا، ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل”. ومن هنا فإن الاعتداد بالوحي ظاهراً دون إعمال العقل، أو الاعتداد بالعقل وتقديسه وتقديمه على الوحي أوقع كثيرا من الفرق الإسلامية في الصراع والنزاع، سواء كان ذلك بين أهل السنة والاعتزال أو بين أهل الشريعة وأهل الفلسفة، أو بين أهل التصوف وغيرهم، أو بين أهل الرأي وأهل الحديث… الخ، ويمكن اعتبار تصور العلاقة بينهما أحد محاور تصنيف مدارس الفكر والفقه والتأريخ لها في مسيرة العقل المسلم منذ عهد الصحابة وحتى اليوم. ويلاحظ القارئ لكتاب الله كثرة ورود وذكر الوظائف العقلية في القرآن من التدبر والتفكر والنظر والتعقل، وأهل هذه العمليات العقلية الذين هم أولو النهى وأولو الألباب، والحث على النظر في خلق السماوات والأرض وما فيهن من آيات الله الدالة على حكمته وقدرته وأن تعطيل هذه الوظائف وإهمالها سبب عذاب الآخرة، يقول تعالى على لسان هؤلاء: “وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ” (سورة الملك:10) فالدين والعقل أصلان من أصول العقيدة، وبهما تُقاس مصالح العباد، ويعرف ما ينفع الناس، ويتعلقان بالكيان الحضاري للأمة، ومنطق فكرها ورؤيتها للكون والحياة بين الأمم والملل، وقد وضعت الشريعة أحكام المحافظة عليهما، كما كفلت الشريعة حفظ الحواس باعتبارها من مصادر العلم والمعرفة التي ذكرها القرآن الكريم، ورتب الشرع مسائل وأحكام حفظ الأنفس، وحفظ الجسد، واحترامه واعتبار حاجاته وغرائزه وتنظيمها، فلا ازدواج أو تعارض بين عقل ووحي، ولا بين جسد وروح، ولا بين عقيدة ومنافع الناس، ولا بين حقوق الفرد وحق الجماعة، ولا بين الخصوصية ومسئولية التضامن الجماعي، ولا بين دين ودنيا، ولا بين دنيا وآخرة. يناقش هذا الإصدار العلاقة القائمة بين المفاهيم الدينية والعقل ويؤطرها.
مصطفى عزيزي - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ العقل والدين: سؤال العلاقة ❝ الناشرين : ❞ مؤسسة الدلیل للدراسات والبحوث العقدیة ❝ ❱
من فكر إسلامي الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

وصف الكتاب : من دلالات مادة “عقل” في اللغة كما في لسان العرب: الجامع لأمره، مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه، وقيل “العاقل” الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أُخذ من قولهم قد اعتقل لسانه إذا حُبس ومنع الكلام. والمعقول: ما تعقله بقلبك. والعقل: التثبت في الأمور. والعقل: القلب، والقلب العقل. وسُمي العقل عقلا؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، وبهذا يتميز الإنسان من سائر الحيوان، ويقال: لفلان قلب عقول، ولسان سئول، وقلب عقول: فهم. وعقل الشيء يعقله عقلا أي فهمه.

ويمكن القول إن لمقصود بالعقل في التصور الإسلامي أمران: أ- الأداة الغريزية في الإنسان التي يدرك بها الأشياء على ما هي عليه من حقائق المعنى، ويسميها بعضهم “العقل الغريزي” فهو الطاقة الإدراكية في الإنسان. ب- ما توفره هذه الأداة الغريزية وتلك الطاقة الإدراكية من حصيلة معرفية وخبرة وفكرة ويسميها بعضهم العقل المكتسب فهو نتيجة للعقل الغريزي، وهو ينمو أن استعمل وينقص أن أهمل، وهو ما ذهب إليه الماوردي في الفكر الإسلامي، ويشبه مذهب كانط في الفلسفة الألمانية والذي يتحدث عن العقل المحض (الفطري)، والعقل التجريبي (العملي).

وينصرف معنى العقل أيضاً إلى “العقل الجمعى” لا عقل الإنسان الفرد فقط، فيكون معناه مجموع الطاقات الإدراكية للأمة والتي يدور حولها فكر الأمة وعلومها وخبرتها، حيث يعتد الإسلام بالقيمة الذاتية للفكر الإنساني باعتباره ناتج عقول الأمة وأهل النهى وأولي الألباب فيها. والتي ترسم مسار الفقه وحركته في التاريخ بين تواصل مع الأصول واجتهاد السابقين من ناحية، وتجديد واجتهاد من ناحية أخرى بما يحقق التراكم الفكري، ويستهدف تطوير حكمة الرؤية المقاصدية والفقهية بل والثقافية الحضارية التي تميز الأمة.

بين حفظ الدين وحفظ العقل في التصور الإسلامي ارتباط وثيق، لما لهما من أهمية عظمى في حياة الأمة وكيانها العقيدي والفكري والسياسي.

وإذا كانت الفلسفة الغربية قد وضعت الفكر الوجودي الذي يبحث في جوهر الإنسان وغاياته وتحققه في هذا الوجود كمنهج عقلي “تحرري” في مواجهة الدين فإن رؤية التوحيد الإسلامية والتي ينبثق عنها مفهوم الاستخلاف تربط بين التوحيد والوجود، وبين العقل والتقل، وبين الإنسان والكون في علاقة مركبة لا تناقض فيها ولا تعارض مع خالقه، بل تتكامل المفاهيم وتتضافر من أجل “تحرير” الإنسان من عبودية الطبيعة أو ألوهية الهوى والمنفعة المادية الضيقة التصارعية بسبيل أفق رحب يجعل الإنسان سيد في الكون وخليفة لرب هذا الكون، ويجعل العلاقات بين البشر أصلها التعارف، والتدافع الخلاق، هذا الرب الذي يبين النص القرآني أنه علم آدم الأسماء كلها وعلَّمه ما لم يكن يعلم،

في مقابل تصورات الإله في التراث الغربي القديم التي يصارع الرب فيها الإنسان، ويحتكر المعرفة، ويسعى لمنع الإنسان من الحصول على شعلتها المقدسة، أو تصورات الرب في العهد القديم التي يخشى الرب فيها من اتحاد البشر وقوتهم فينزل ليبلبل عليهم ألسنتهم (من هنا اسم مدينة بابل في رأي بعض المؤرخين)، أو تحتكر المؤسسة الدينية أسراراً، مثل سر العقيدة، أو سر طقوس العبادة، أو سر عقد الزواج -بوكالة عن الله- فلا تتاح تلك الأسرار للإنسان المؤمن بل يستأثر بتلك المعرفة سلك رجال الدين كوسيط بين الله والبشر.

وما بين الدين والعقل علاقة ارتباط وثيقة العرى وهي علاقة وظيفية متبادلة تتعلق بدور العقل في فهم وتطبيق الوحي، ودور الوحي في توسيع مدارك ومدارات العقل ومصادر معرفته، وإساءة فهم هذه العلاقة أو القصور في فهم أبعاد ودور كل منهما ونطاقه يولّد انحرافا في التفكير والاعتقاد والسلوك.

فلو تخيلنا دائرة مركزها الإنسان، ونهايتها ملكوت السماوات والغيب، فإننا نجد ثلاث دوائر لوسائل العلم والمعرفة (بعد دائرة الوجدانيات والحدس) الأولى: دائرة الحواس، وهذه تختص بإدراك الأعراض الحسية في عالم المشاهدة والمادة. الثانية: دائرة العقل التي تبدأ من حيث تنتهي دائرة الحواس، حيث يقوم العقل بعملية الربط بين الجزئيات بعد تلمس العلل والأسباب، ويأخذ من تلك الجزئيات كليات مجردة عن المادة، وبهذا تكون الدائرة الأولى مقدمة للدائرة الثانية.

الثالثة: دائرة الوحي وهي المحيط الذي لا شاطئ له ولا يعلم مداه إلا الله، ولا يستطيع العقل أن يجاريه في الغيب المجهول، ولكن يكون مسترشداً به ومتبعا لهدايته وإشاراته في إدراك الحقائق الغيبية؛ لأن العقل محدود، وله مدى لا يتعداه، وبالتوازي مع ذلك فإن العقل من جهة أخرى وسيلة إدراك خطاب الوحي، وأساس الإلزام بتكاليف الشريعة وأحكامها ولذلك فإن عدم العقل يسقط التكليف والمخاطبة بالوحي، كما أننا نجد كثيراً من جزئيات الوحي يقوم العقل بربطها بكليات عامة عن طريق الإلحاق والقياس.

ولكن الوحي حاكم، والعقل محكوم في مجال التشريع واعتبار المصالح؛ لأن العقل لا يستقل وحده بإدراك أحكام أو تقدير المصالح والمفاسد أو معرفة الحسن والقبيح دون هدي من وحي أو إرشاد من سنة النبي، أو اجتهاد ينبني على فقه عميق بهما.

يقول الإمام الشاطبي: “إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكـون متبوعـا، ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل”. ومن هنا فإن الاعتداد بالوحي ظاهراً دون إعمال العقل، أو الاعتداد بالعقل وتقديسه وتقديمه على الوحي أوقع كثيرا من الفرق الإسلامية في الصراع والنزاع، سواء كان ذلك بين أهل السنة والاعتزال أو بين أهل الشريعة وأهل الفلسفة، أو بين أهل التصوف وغيرهم، أو بين أهل الرأي وأهل الحديث… الخ، ويمكن اعتبار تصور العلاقة بينهما أحد محاور تصنيف مدارس الفكر والفقه والتأريخ لها في مسيرة العقل المسلم منذ عهد الصحابة وحتى اليوم.

ويلاحظ القارئ لكتاب الله كثرة ورود وذكر الوظائف العقلية في القرآن من التدبر والتفكر والنظر والتعقل، وأهل هذه العمليات العقلية الذين هم أولو النهى وأولو الألباب، والحث على النظر في خلق السماوات والأرض وما فيهن من آيات الله الدالة على حكمته وقدرته وأن تعطيل هذه الوظائف وإهمالها سبب عذاب الآخرة، يقول تعالى على لسان هؤلاء: “وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ” (سورة الملك:10)

فالدين والعقل أصلان من أصول العقيدة، وبهما تُقاس مصالح العباد، ويعرف ما ينفع الناس، ويتعلقان بالكيان الحضاري للأمة، ومنطق فكرها ورؤيتها للكون والحياة بين الأمم والملل، وقد وضعت الشريعة أحكام المحافظة عليهما، كما كفلت الشريعة حفظ الحواس باعتبارها من مصادر العلم والمعرفة التي ذكرها القرآن الكريم، ورتب الشرع مسائل وأحكام حفظ الأنفس، وحفظ الجسد، واحترامه واعتبار حاجاته وغرائزه وتنظيمها، فلا ازدواج أو تعارض بين عقل ووحي، ولا بين جسد وروح، ولا بين عقيدة ومنافع الناس، ولا بين حقوق الفرد وحق الجماعة، ولا بين الخصوصية ومسئولية التضامن الجماعي، ولا بين دين ودنيا، ولا بين دنيا وآخرة.

يناقش هذا الإصدار العلاقة القائمة بين المفاهيم الدينية والعقل ويؤطرها.


للكاتب/المؤلف : مصطفى عزيزي .
دار النشر : مؤسسة الدلیل للدراسات والبحوث العقدیة .
سنة النشر : 2019م / 1440هـ .
عدد مرات التحميل : 620 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الجمعة , 3 يونيو 2022م.

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

من دلالات مادة “عقل” في اللغة كما في لسان العرب: الجامع لأمره، مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه، وقيل “العاقل” الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أُخذ من قولهم قد اعتقل لسانه إذا حُبس ومنع الكلام. والمعقول: ما تعقله بقلبك. والعقل: التثبت في الأمور. والعقل: القلب، والقلب العقل. وسُمي العقل عقلا؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، وبهذا يتميز الإنسان من سائر الحيوان، ويقال: لفلان قلب عقول، ولسان سئول، وقلب عقول: فهم. وعقل الشيء يعقله عقلا أي فهمه. 

ويمكن القول إن لمقصود بالعقل في التصور الإسلامي أمران: أ- الأداة الغريزية في الإنسان التي يدرك بها الأشياء على ما هي عليه من حقائق المعنى، ويسميها بعضهم “العقل الغريزي” فهو الطاقة الإدراكية في الإنسان. ب- ما توفره هذه الأداة الغريزية وتلك الطاقة الإدراكية من حصيلة معرفية وخبرة وفكرة ويسميها بعضهم العقل المكتسب فهو نتيجة للعقل الغريزي، وهو ينمو أن استعمل وينقص أن أهمل، وهو ما ذهب إليه الماوردي في الفكر الإسلامي، ويشبه مذهب كانط في الفلسفة الألمانية والذي يتحدث عن العقل المحض (الفطري)، والعقل التجريبي (العملي). 

وينصرف معنى العقل أيضاً إلى “العقل الجمعى” لا عقل الإنسان الفرد فقط، فيكون معناه مجموع الطاقات الإدراكية للأمة والتي يدور حولها فكر الأمة وعلومها وخبرتها، حيث يعتد الإسلام بالقيمة الذاتية للفكر الإنساني باعتباره ناتج عقول الأمة وأهل النهى وأولي الألباب فيها. والتي ترسم مسار الفقه وحركته في التاريخ بين تواصل مع الأصول واجتهاد السابقين من ناحية، وتجديد واجتهاد من ناحية أخرى بما يحقق التراكم الفكري، ويستهدف تطوير حكمة الرؤية المقاصدية والفقهية بل والثقافية الحضارية التي تميز الأمة.

بين حفظ الدين وحفظ العقل في التصور الإسلامي ارتباط وثيق، لما لهما من أهمية عظمى في حياة الأمة وكيانها العقيدي والفكري والسياسي. 

وإذا كانت الفلسفة الغربية قد وضعت الفكر الوجودي الذي يبحث في جوهر الإنسان وغاياته وتحققه في هذا الوجود كمنهج عقلي “تحرري” في مواجهة الدين فإن رؤية التوحيد الإسلامية والتي ينبثق عنها مفهوم الاستخلاف تربط بين التوحيد والوجود، وبين العقل والتقل، وبين الإنسان والكون في علاقة مركبة لا تناقض فيها ولا تعارض مع خالقه، بل تتكامل المفاهيم وتتضافر من أجل “تحرير” الإنسان من عبودية الطبيعة أو ألوهية الهوى والمنفعة المادية الضيقة التصارعية بسبيل أفق رحب يجعل الإنسان سيد في الكون وخليفة لرب هذا الكون، ويجعل العلاقات بين البشر أصلها التعارف، والتدافع الخلاق، هذا الرب الذي يبين النص القرآني أنه علم آدم الأسماء كلها وعلَّمه ما لم يكن يعلم،

 في مقابل تصورات الإله في التراث الغربي القديم التي يصارع الرب فيها الإنسان، ويحتكر المعرفة، ويسعى لمنع الإنسان من الحصول على شعلتها المقدسة، أو تصورات الرب في العهد القديم التي يخشى الرب فيها من اتحاد البشر وقوتهم فينزل ليبلبل عليهم ألسنتهم (من هنا اسم مدينة بابل في رأي بعض المؤرخين)، أو تحتكر المؤسسة الدينية أسراراً، مثل سر العقيدة، أو سر طقوس العبادة، أو سر عقد الزواج -بوكالة عن الله- فلا تتاح تلك الأسرار للإنسان المؤمن بل يستأثر بتلك المعرفة سلك رجال الدين كوسيط بين الله والبشر.

 وما بين الدين والعقل علاقة ارتباط وثيقة العرى وهي علاقة وظيفية متبادلة تتعلق بدور العقل في فهم وتطبيق الوحي، ودور الوحي في توسيع مدارك ومدارات العقل ومصادر معرفته، وإساءة فهم هذه العلاقة أو القصور في فهم أبعاد ودور كل منهما ونطاقه يولّد انحرافا في التفكير والاعتقاد والسلوك. 

فلو تخيلنا دائرة مركزها الإنسان، ونهايتها ملكوت السماوات والغيب، فإننا نجد ثلاث دوائر لوسائل العلم والمعرفة (بعد دائرة الوجدانيات والحدس) الأولى: دائرة الحواس، وهذه تختص بإدراك الأعراض الحسية في عالم المشاهدة والمادة. الثانية: دائرة العقل التي تبدأ من حيث تنتهي دائرة الحواس، حيث يقوم العقل بعملية الربط بين الجزئيات بعد تلمس العلل والأسباب، ويأخذ من تلك الجزئيات كليات مجردة عن المادة، وبهذا تكون الدائرة الأولى مقدمة للدائرة الثانية.

 الثالثة: دائرة الوحي وهي المحيط الذي لا شاطئ له ولا يعلم مداه إلا الله، ولا يستطيع العقل أن يجاريه في الغيب المجهول، ولكن يكون مسترشداً به ومتبعا لهدايته وإشاراته في إدراك الحقائق الغيبية؛ لأن العقل محدود، وله مدى لا يتعداه، وبالتوازي مع ذلك فإن العقل من جهة أخرى وسيلة إدراك خطاب الوحي، وأساس الإلزام بتكاليف الشريعة وأحكامها ولذلك فإن عدم العقل يسقط التكليف والمخاطبة بالوحي، كما أننا نجد كثيراً من جزئيات الوحي يقوم العقل بربطها بكليات عامة عن طريق الإلحاق والقياس. 

ولكن الوحي حاكم، والعقل محكوم في مجال التشريع واعتبار المصالح؛ لأن العقل لا يستقل وحده بإدراك أحكام أو تقدير المصالح والمفاسد أو معرفة الحسن والقبيح دون هدي من وحي أو إرشاد من سنة النبي، أو اجتهاد ينبني على فقه عميق بهما. 

يقول الإمام الشاطبي: “إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكـون متبوعـا، ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل”. ومن هنا فإن الاعتداد بالوحي ظاهراً دون إعمال العقل، أو الاعتداد بالعقل وتقديسه وتقديمه على الوحي أوقع كثيرا من الفرق الإسلامية في الصراع والنزاع، سواء كان ذلك بين أهل السنة والاعتزال أو بين أهل الشريعة وأهل الفلسفة، أو بين أهل التصوف وغيرهم، أو بين أهل الرأي وأهل الحديث… الخ، ويمكن اعتبار تصور العلاقة بينهما أحد محاور تصنيف مدارس الفكر والفقه والتأريخ لها في مسيرة العقل المسلم منذ عهد الصحابة وحتى اليوم.

 ويلاحظ القارئ لكتاب الله كثرة ورود وذكر الوظائف العقلية في القرآن من التدبر والتفكر والنظر والتعقل، وأهل هذه العمليات العقلية الذين هم أولو النهى وأولو الألباب، والحث على النظر في خلق السماوات والأرض وما فيهن من آيات الله الدالة على حكمته وقدرته وأن تعطيل هذه الوظائف وإهمالها سبب عذاب الآخرة، يقول تعالى على لسان هؤلاء: “وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ” (سورة الملك:10) 

فالدين والعقل أصلان من أصول العقيدة، وبهما تُقاس مصالح العباد، ويعرف ما ينفع الناس، ويتعلقان بالكيان الحضاري للأمة، ومنطق فكرها ورؤيتها للكون والحياة بين الأمم والملل، وقد وضعت الشريعة أحكام المحافظة عليهما، كما كفلت الشريعة حفظ الحواس باعتبارها من مصادر العلم والمعرفة التي ذكرها القرآن الكريم، ورتب الشرع مسائل وأحكام حفظ الأنفس، وحفظ الجسد، واحترامه واعتبار حاجاته وغرائزه وتنظيمها، فلا ازدواج أو تعارض بين عقل ووحي، ولا بين جسد وروح، ولا بين عقيدة ومنافع الناس، ولا بين حقوق الفرد وحق الجماعة، ولا بين الخصوصية ومسئولية التضامن الجماعي، ولا بين دين ودنيا، ولا بين دنيا وآخرة.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل العقل والدين: سؤال العلاقة
مصطفى عزيزي
مصطفى عزيزي
Mustafa Azizi
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ العقل والدين: سؤال العلاقة ❝ الناشرين : ❞ مؤسسة الدلیل للدراسات والبحوث العقدیة ❝ ❱.



كتب اخرى في فكر إسلامي

العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والانسان والطبيعة / ج1 PDF

قراءة و تحميل كتاب العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والانسان والطبيعة / ج1 PDF مجانا

العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والانسان والطبيعة / ج2 PDF

قراءة و تحميل كتاب العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والانسان والطبيعة / ج2 PDF مجانا

رسالات الأنبياء: دين واحد وشرائع عدة - دراسة قرآنية PDF

قراءة و تحميل كتاب رسالات الأنبياء: دين واحد وشرائع عدة - دراسة قرآنية PDF مجانا

التأسيس الائتماني لعلم المقاصد PDF

قراءة و تحميل كتاب التأسيس الائتماني لعلم المقاصد PDF مجانا

مفاهيم: أثر الفلسفة اليونانية والثقافات القديمة في علم الكلام والتصوف PDF

قراءة و تحميل كتاب مفاهيم: أثر الفلسفة اليونانية والثقافات القديمة في علم الكلام والتصوف PDF مجانا

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد / ج1 PDF

قراءة و تحميل كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد / ج1 PDF مجانا

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد / ج2 PDF

قراءة و تحميل كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد / ج2 PDF مجانا

الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي PDF

قراءة و تحميل كتاب الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي PDF مجانا

المزيد من الفكر والفلسفة في مكتبة الفكر والفلسفة , المزيد من النجاح وتطوير الذات في مكتبة النجاح وتطوير الذات , المزيد من مقارنة الأديان في مكتبة مقارنة الأديان , المزيد من السياسة في مكتبة السياسة , المزيد من علم النفس في مكتبة علم النفس , المزيد من الهندسة الشاملة في مكتبة الهندسة الشاملة , المزيد من محمد صلى الله عليه وسلم في مكتبة محمد صلى الله عليه وسلم , المزيد من أوراق المؤتمرات والملتقيات العلمية في مكتبة أوراق المؤتمرات والملتقيات العلمية , المزيد من غير مصنفة في مكتبة غير مصنفة
عرض كل المكتبة التجريبية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..